سورة السجدة - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (السجدة)


        


قوله تعالى: {تنزيلُ الكتاب لا ريب فيه} قال مقاتل: المعنى: لا شكَّ فيه أنَّه تنزيل {مِنْ ربِّ العالَمِين}.
{أم يقولون} بل يقولون، يعني المشركين {افْتراه} محمد من تِلقاء نَفْسه، {بل هو الحقُّ من ربِّك لِتُنْذِر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك} يعني: العرب الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأتهم نذير من قَبْل محمد عليه السلام. وما بعده قد سبق تفسيره [الاعراف: 54] إِلى قوله: {ما لكم مِنْ دونه من وليٍّ} يعني الكفار؛ يقول: ليس لكم من دون عذابه من وليٍّ، أي: قريب يمنعُكم فيرُدُّ عذابه عنكم {ولا شفيعٍ} يشفع لكم {أفلا تَتذكَّرونَ} فتؤمنوا.


قوله تعالى: {يدبِّر الأَمر من السماء إِلى الأرض} في معنى الآية قولان:
أحدهما: يقضي القضاء من السماء فينزِّله مع الملائكة إِلى الأرض، {ثم يَعْرُجُ} الملَك {إِليه في يوم} من أيام الدنيا، فيكون الملَك قد قطع في يوم واحد من أيام الدنيا في نزوله وصعوده مسافة ألف سنة من مسيرة الآدمي.
والثاني: يدبِّر أمر الدنيا مدة أيَّام الدنيا، فينزِّل القضاء والقدر من السماء إِلى الأرض، {ثم يعرُج إِليه} أي: يعود إِليه الأمر والتدبير حين ينقطع أمر الأمراء وأحكام الحكّام وينفرد الله تعالى بالأمر {في يوم كان مقداره ألف سنة} وذلك في يوم القيامة، لأنَّ كل يوم من أيام الآخرة كألف سنة.
وقال مجاهد: يقضي أمر ألف سنة في يوم واحد، ثم يلقيه إِلى الملائكة، فاذا مضت قضى لألف سنة آخرى، ثم كذلك أبداً.
وللمفسرين في المراد بالأمر ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه الوحي، قاله السدي.
والثاني: القضاء، قاله مقاتل.
والثالث: أمر الدنيا.
و {يعرُج} بمعنى يصعَد. قال الزجاج: يقال: عَرَجْتُ في السُّلَّم أعرُج، وعَرِج الرجُل يعرَج: إِذا صار أعرج.
وقرأ معاذ القارئ، وابن السميفع، وابن أبي عبلة: {ثم يُعْرَجُ إِليه} بياء مرفوعة وفتح الراء. وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء: {يَعْرِجُ} بياء مفتوحة وكسر الراء. وقرأ أبو عمران الجوني، وعاصم الجحدري: {ثم تَعْرُجُ} بتاء مفتوحة ورفع الراء.
قوله تعالى: {الذي أحسنَ كُلَّ شيء خَلَقه} فيه خمسة أقوال.
أحدها: جعله حَسَناً.
والثاني: أحكم كل شيء، رويا عن ابن عباس، وبالأول قال قتادة، وبالثاني قال مجاهد.
والثالث: أحسنه، لم يتعلمه من أحد، كما يقال: فلان يُحْسِن كذا: إِذا عَلِمه، قاله السدي، ومقاتل.
والرابع: أن المعنى: ألهم خَلْقه كلَّ ما يحتاجون إِليه، كأنه أعلمهم كل ذلك وأحسنهم، قاله الفراء.
والخامس: أحسن إِلى كل شيء خَلْقه، حكاه الماوردي.
وفي قوله: {خَلْقَه} قراءتان. قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: {خَلْقَه} ساكنة اللام. وقرأ الباقون بتحريك اللام. وقال الزجاج: فتحها على الفعل الماضي، وتسكينها على البدل، فيكون المعنى: أحسنَ خَلْقَ كلِّ شيء خَلَقه. وقال أبو عبيدة: المعنى: أحسن خَلْق كلِّ شيء، والعرب تفعل مثل هذا، يقدِّمون ويؤخِّرون.
قوله تعالى: {وبدأ خَلْقَ الإِنسان} يعني آدم، {ثم جعل نسله} أي: ذرِّيته وولده؛ وقد سبق شرح الآية [المؤمنون: 12].
ثم رجع إِلى آدم فقال: {ثُمَّ سوَّاه ونَفَخ فيه من رُوحه} وقد سبق بيان ذلك [الحجر: 29]. ثم عاد إِلى ذريته فقال: {وجَعَل لكم السَّمْع والأبصار} أي: بعد كونكم نُطَفاً.


قوله تعالى: {وقالوا} يعني منكري البعث {أإِذا ضَلَلْنا في الأرض} وقرأ عليّ بن أبي طالب، وعليّ بن الحسين، وجعفر بن محمد، وأبو رجاء، وأبو مجلز، وحميد، وطلحة: {ضَلِلْنَا} بضاد معجمة مفتوحة وكسر اللام الأولى. قال الفراء: ضَلَلْنَا وضَلِلْنَا لغتان، والمعنى: إِذا صارت عظامنا ولحومنا تراباً كالأرض؛ تقول ضَلَّ الماءُ في اللَّبَن، وضل الشيء في الشيء: إِذا أخفاه وغلب عليه. وقرأ أبو نهيك، وأبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وأبو حيوة، وابن أبي عبلة: {ضُلِّلْنَا} بضم الضاد المعجمة وتشديد اللام الأولى وكسرها. وقرأ الحسن، وقتادة، ومعاذ القارئ: {صَلَلْنَا} بصاد غير معجمة مفتوحة، وذكر لها الزجاج معنيين.
أحدهما: أَنْتَنَّا وتَغَيَّرْنا وتغيَّرَت صُوَرُنا؛ يقال: صَلَّ اللحمُ وأَصَلَّ: إِذا أنتن وتغيَّر.
والثاني: صِرْنَا من جنس الصَّلَّة، وهي الأرض اليابسة.
قوله تعالى: {أإِئنَّا لفي خَلْق جديد}؟! هذا استفهام إِنكار.
قوله تعالى: {الذي وُكِّل بِكُم} أي: بقبض أرواحكم {ثُمَّ إِلى ربِّكم تُرْجَعُون} يوم الجزاء.
ثم أخبر عن حالهم في القيامة فقال: {ولو ترى إِذِ المجْرِمون ناكِسو رؤوسِهم} أي: مُطأطئوها حياءً وندماً، {ربَّنا} فيه إِضمار {يقولون ربَّنا} {أبصَرْنا وسَمِعْنا} أي: عَلِمْنا صِحَّة ما كنَّا به مكذِّبين {فارْجِعنا} إِلى الدنيا؛ وجواب لو متروك تقديره: لو رأيتَ حالهم لرأيتَ ما يُعتبر به، ولشاهدت العَجَب.

1 | 2